قدم المكون ، فقولي في قدم الحكمة مع حدوث الفعل التي فعل لأجلها ، كقولكم في قدم الإرادة والتكوين سواء ، وما لزمني لزمكم مثله ، وجوابكم هو جوابي بعينه ، ولا يمتنع ذلك على أصول طائفة من الطوائف ، فإن من قال من الفلاسفة : إن فعله قديم للمفعول المعني ، يقول : إنّ الحكمة قديمة ، ومن قال بحدوث أعيان الفعل ودوام نوعه ، يقول ذلك في الحكمة سواء ، ومن قال بحدوث نوع الفعل وقيامه بالرب ، قال ذلك في الحكمة أيضا ، كما يقوله كثير من النظار ، فلا يمتنع على أصل طائفة من الطوائف إثبات الحكمة في فعله سبحانه.
الجواب الثالث : قولك : يفتقر كونه محدثا لتلك العلة إلى علة أخرى ، ممنوع ، فإن هذا إنما يلزم أن لو قيل : كل حادث فلا بدّ له من علة ، ونحن لا نقول هذا ، بل نقول : يفعله لحكمة ، ومعلوم أنّ المفعول لأجله مراد للفاعل محبوب له ، والمراد المحبوب تارة يكون مرادا لنفسه ، وتارة يكون مرادا لغيره ، والمراد لغيره لا بدّ أن ينتهي إلى المراد لنفسه قطعا للتسلسل ، وهذا كما نقوله في خلقه بالأسباب أنه يخلق كذا بسبب كذا ، وكذا بسبب كذا حتى ينتهي الأمر إلى أسباب لا سبب لها سوى مشيئة الرب ، فكذلك يخلق لحكمة ، وتلك الحكمة لحكمة حتى ينتهي الأمر إلى حكمة لا حكمة فوقها.
الجواب الرابع : إن النفاة يقولون : كلّ مخلوق فهو مراد لنفسه لا لغيره ، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون بعض المخلوقات مرادا لغيره ، وينتهي الأمر إلى مراد لنفسه ، بل هذا أولى بالجواز من جعل كلّ مخلوق مرادا لنفسه ، وكذلك فالأمر يكون مرادا لغيره حتى ينتهي إلى أمر مراد لنفسه.
الجواب الخامس : أن يقال : غاية ما ذكرتم أنه يستلزم التسلسل ، ولكن أي نوعي التسلسل هو اللازم؟ التسلسل الممتنع أو الجائز ، فإن عنيتم