وأنه ينزّه عن خلاف ذلك ، كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص. وهذا باب عزيز من أبواب الإيمان ، فيفتحه الله على من يشاء من عباده ، ويحرمه من يشاء.
الوجه الثاني والثلاثون : أنه كم لله سبحانه من حكمة وحمد وأمر ونهي وقضاء وقدر ، في جعل بعض عباده فتنة لبعض ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ (٥٣)) [الأنعام] وقال تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ (٢٠)) [الفرقان].
فهو سبحانه جعل أولياءه فتنة لأعدائه ، وأعداءه فتنة لأوليائه ، والملوك فتنة للرعية ، والرعية فتنة لهم ، والرجال فتنة للنساء ، وهن فتنة لهم ، والأغنياء فتنة للفقراء ، والفقراء فتنة لهم ، وابتلى كلّ أحد بضد ، جعله متقابلا ، فما استقرت أقدام الأبوين على الأرض إلا وضدّهما مقابلهما ، واستمر الأمر في الذرية كذلك إلى أن يطوي الله الدنيا ومن عليها.
وكم له سبحانه في مثل هذا الابتلاء والامتحان من حكمة بالغة ونعمة سابغة وحكم نافذ وأمر ونهي وتصريف دالّ على ربوبيته وإلهيته وملكه وحمده ، وكذلك ابتلاء عباده بالخير والشر ، في هذه الدار ، هو من كمال حكمته ومقتضى حمده التام.
الوجه الثالث والثلاثون : أنه لو لا هذا الابتلاء والامتحان ، لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح ، والله سبحانه يحب أن يكرم أولياءه بهذه الكمالات ، ويحب ظهورها عليهم ، ليثني بها عليهم هو وملائكته ، وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور ، وإن كانت مرّة المبادي ، فلا أحلى من عواقبها. ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع ، وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأنّ كمال الغايات تابعة