وإقامة الحجج وجدال أهل الباطل بما يدحض شبهتهم ، وينصر الحق ويظهره على الباطل ، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الحكم التي لا يحصيها إلا الله. والله سبحانه يحبّ ظهور أسمائه وصفاته في الخليقة ، فلو اخترم كلّ من علم أنه يكفر إذا بلغ ، لفات ذلك ، وفواته مناف لكمال تلك الأسماء والصفات ، واقتضائها لآثارها ، وقد تقدم بسط ذلك أتم من هذا.
الوجه الأربعون : قوله أنه سبحانه رد الأمر إلى محض مشيئة بقوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ (٢١)) [العنكبوت] وقوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (٢٨٤)) [البقرة] وقوله : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ (٨)) [فاطر] وقوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ (٢٣)) [الأنبياء] فهذا كلّه حقّ ، ولكن أين فيه إبطال حكمته وحمده والغايات المحمودة المطلوبة بفعله ، وأنه لا يفعل شيئا لشيء ، ولا يأمر بشيء لأجل شيء ، ولا سبب لفعله ولا غاية ، أفترى أصحاب الحكمة والتعليل يقولون : إنه لا يفعل بمشيئته ، أو أنه يسأل عما يفعل؟ بل إنه يفعل بمشيئته مقارنا للحكمة والمصلحة ووضع الأشياء مواضعها ، وأنه يفعل ما يشاء بأسباب وحكم ، ولغايات مطلوبة وعواقب حميدة ، فهم مثبتون لملكه وحمده ، وغيرهم يثبت ملكا بلا حمد أو نوعا من الحمد ، مع هضم الملك ، إذ الربّ تعالى له كمال الملك وكمال الحمد ، فكونه يفعل ما يشاء ، يمنع أن يشاء بأسباب وحكم وغايات ، وأنه لا يشاء إلا ذلك.
وأما قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)) [الأنبياء] فهذا لكمال علمه وحكمته ، لا لعدم ذلك ، وأيضا فسياق الآية في معنى آخر ، وهو إبطال إلهية من سواه ، وإثبات الألوهية له وحده ، فإنه سبحانه قال : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)) [الأنبياء] فأين في هذا ما يدلّ