الباب الرابع والعشرون
في قول السلف : من أصول الإيمان الإيمان بالقدر خيره
وشره حلوه ومرّه
قد تقدم أن القدر لا شر فيه ، بوجه من الوجوه ، فإنه علم الله وقدرته وكتابه ومشيئته ، وذلك خير محض وكمال من وجه ، فالشر ليس إلى الرب تعالى بوجه من الوجوه ، لا في ذاته ، ولا في أسمائه ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، وإنما يدخل الشرّ الجزئي الإضافي في المقضي المقدر ، ويكون شرا بالنسبة إلى محل ، وخيرا بالنسبة إلى محل آخر ، وقد يكون خيرا بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه ، كما هو شرّ له من وجه ، بل هذا هو الغالب ، وهذا كالقصاص وإقامة الحدود وقتل الكفار ، فإنه شر بالنسبة إليهم لا من كلّ وجه ، بل من وجه دون وجه ، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر والنكال ودفع الناس بعضهم ببعض ، وكذلك الآلام والأمراض ، وإن كانت شرورا من وجه ، فهي خيرات من وجوه عديدة ، وقد تقدم تقرير ذلك. فالخير والشر من جنس اللذة والألم والنفع والضرر ، وذلك في المقضي المقدر ، لا في نفس صفة الرب وفعله القائم به ، فإن قطع يد السارق شر مؤلم ضار له ، وأما قضاء الرب ذلك وتقديره عليه ، فعدل ، خير وحكمة ومصلحة ، كما يأتي في الباب الذي بعد هذا ، إن شاء الله.