فإن قيل : فما الفرق بين كون القدر خيرا وشرا ، وكونه حلوا ومرا؟.
قيل : الحلاوة والمرارة تعود إلى مباشرة الأسباب في العاجل ، والخير والشر يرجع إلى حسن العاقبة وسوئها ، فهو حلو ومرّ في مبدئه وأوله ، وخير وشر في منتهاه وعاقبته.
وقد أجرى الله سبحانه سنّته وعادته أنّ حلاوة الأسباب ، في العاجل ، تعقب المرارة في الآجل ، ومرارتها تعقب الحلاوة ، فحلو الدنيا مرّ الآخرة ، ومرّ الدنيا حلو الآخرة ، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل اللذات تثمر الآلام ، والآلام تثمر اللذات ، والقضاء والقدر منتظم لذلك انتظاما ، لا يخرج عنه شيء البتة ، والشرّ مرجعه إلى اللذات وأسبابها ، والخير المطلوب هو اللذات الدائمة ، والشر المرهوب هو الآلام الدائمة ، فأسباب هذه الشرور ، وإن اشتملت على لذة ما ، وأسباب تلك خيرات ، وإن اشتملت على ألم ما ، فألم يعقب اللذة الدائمة أولى بالإيثار والتحمل من لذة تعقب الألم الدائم ، فلذة ساعة في جنب ألم طويل كلا لذّة ، وألم ساعة في جنب لذة طويلة كلا ألم.