الشرير مريد الشر وفاعله ، فجوابه من وجهين.
أحدهما : إنما يمنع ذلك بأن الشرير من قام به الشر ، وفعل الشر لم يقم بذات الرب ، فإن أفعاله لا تقوم به ، إذ هي نفس مفعولاته ، وإنما هي قائمة بالخلق ، وكذلك اشتقت لهم منها الأسماء كالفاجر والفاسق والمصلي والحاج والصائم ونحوها.
الجواب الثاني : أن أسماء الله تعالى توقيفية ، ولم يسم نفسه إلا بأحسن الأسماء. قالوا : والربّ تعالى أعظم من أن يكون في ملكه ما لا يريده ولا يخلقه ، فإنه الغالب غير المغلوب ، وتحقيق القول في ذلك أنه يمتنع إطلاق إرادة الشر عليه وفعله نفيا وإثباتا ، لما في إطلاق لفظ الإرادة والفعل من إبهام المعنى الباطل ونفي المعنى الصحيح فإن الإرادة تطلق بمعنى المشيئة وبمعنى المحبة والرضا ، فالأول كقوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (٣٤)) [هود] وقوله (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (١٢٥)) [الأنعام] وقوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً (١٦)) [الإسراء] والثاني كقوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (٢٧)) [النساء] وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (١٨٥)) [البقرة].
فالإرادة بالمعنى الأول تستلزم وقوع المراد ، ولا تستلزم محبته والرضا به ، وبالمعنى الثاني لا تستلزم وقوع المراد ، وتستلزم محبته ، فإنها لا تنقسم ، بل كل ما أراده من أفعاله فهو محبوب مرضيّ له ، ففرق بين إرادة أفعاله وإرادة مفعولاته ، فإن أفعاله خير كلها وعدل ومصلحة وحكمة لا شر فيها ، بوجه من الوجوه ، وأما مفعولاته فهي مورد الانقسام ، وهذا إنما يتحقق على قول أهل السنة أن الفعل غير المفعول ، والخلق غير المخلوق ، كما هو الموافق للعقول والفطر واللغة ودلالة القرآن والحديث وإجماع أهل السنة ، كما حكاه البغويّ في «شرح السنة» عنهم.