فصل
والربّ تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ، ولا يشتق له من مخلوقاته ، وكلّ اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته ، أو فعل قائم به ، فلو كان يشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل ، يسمى متكونا ومتحركا وساكنا وطويلا وأبيض وغير ذلك ، لأنه خالق هذه الصفات ، فلما لم يطلق عليه اسم من ذلك ، مع أنه خالقه ، علم أنما يشتقّ أسماءه من أفعاله وأوصافه القائمة به ، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوق منفصل عنه ، ولا يتسمى باسمه ، ولهذا كان قول من قال : إنه يسمى متكلما بكلام منفصل عنه ، وخلقه في غيره ، ومريدا بإرادة منفصلة عنه ، وعادلا بعدل مخلوق منفصل عنه ، وخالقا بخلق منفصل عنه ، هو المخلوق ، قولا باطلا مخالفا للعقل والنقل واللغة ، مع تناقضه في نفسه ، فإن اشتق له اسم ، باعتبار مخلوقاته ، لزم طرد ذلك في كلّ صفة أو فعل خلقه ، وإن خص ذلك ببعض الأفعال والصفات دون بعض ، كان تحكما لا معنى له ، وحقيقة قول هؤلاء أنه لم يقم به عدل ولا إحسان ولا كلام ولا إرادة ولا فعل البتة ، ومن تجهّم منهم نفى حقائق الصفات ، وقال : لم تقم به صفة ثبوتية ، فنفوا صفاته ، وردّوها إلى السلوب والإضافات ، ونفوا أفعاله ، وردوها إلى المصنوعات المخلوقات. وحقيقة هذا أن أسماءه تعالى ألفاظ فارغة عن المعاني ، لا حقائق لها ، وهذا من الإلحاد فيها ، وإنكار أن يكون حسنا وقد قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)) [الأعراف] وقد دلّ القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفا كقوله تعالى : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٦٥)) [البقرة]