الباب السابع
في أن سبق المقادير بالشقاوة والسعادة لا يقتضي ترك
الأعمال بل يقتضي الاجتهاد والحرص
يسبق إلى أفهام كثير من الناس أن القضاء والقدر ، إذا كان قد سبق ، فلا فائدة في الأعمال ، وأنّ ما قضاه الربّ سبحانه وقدره ، لا بدّ من وقوعه ، فتوسط العمل لا فائدة فيه ، وقد سبق إيراد هذا السؤال من الصحابة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فأجابهم بما فيه الشفاء والهدى.
ففي الصحيحين (١) عن علي بن أبي طالب قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، ومعه مخصرة ، فنكس ، فجعل ينكث بمخصرته ، ثم قال : ما منكم من أحد ، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار ، وإلّا قد كتبت شقية أو سعيدة. فقال رجل : يا رسول الله : أفلا نتّكل على كتابنا ، وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال : اعملوا ، فكلّ ميسر ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ
__________________
(١) البخاري (١٦٣٢) ، ومسلم (٢٦٤٧).