وفي هذا ما يدل على أن هذه صفات ثابتة وجودية ، إذ لا يستعاذ بالعدم ، وأنها قائمة به غير مخلوقة ، إذ لا يستعاذ بالمخلوق ، وهو احتجاج صحيح ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا يستعيذ بمخلوق ، ولا يستغيث به ، ولا يدل أمته على ذلك.
ومنها : أنّ العفو من صفات الفعل القائمة به ، وفيه ردّ على من زعم أن فعله عين مفعوله ، فإن المفعول مخلوق ولا يستعاذ به.
ومنها : أنّ بعض صفاته وأفعاله سبحانه أفضل من بعض ، فإن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه ، وهذا كما أنّ صفة الرحمة أفضل من صفة الغضب ، ولذلك كان لها الغلبة والسبق ، ولذلك كلامه سبحانه هو صفته ، ومعلوم أن كلامه الذي يثني على نفسه به ، ويذكر فيه أوصافه وتوحيده ، أفضل من كلامه الذي يذم به أعداءه ، ويذكر أوصافهم ، ولهذا كانت سورة الإخلاص أفضل من سورة تبّت ، وكانت تعدل ثلث القرآن دونها ، وكانت آية الكرسي أفضل آية في القرآن ، ولا تصغ إلى قول من غلظ حجابه ، أنّ الصفات قديمة ، والقديم لا يتفاضل ، فإن الأدلة السمعية والعقلية تبطل قوله ، وقد جعل سبحانه ما كان من الفضل والعطاء والخير وأهل السعادة بيده اليمنى ، وما كان من العدل والقبض بيده الأخرى ، ولهذا جعل أهل السعادة في قبضته اليمنى ، وأهل الشقاوة في القبضة الأخرى ، والمقسطون على منابر من نور ، عن يمينه ، والسموات مطويات بيمينه ، والأرض بالأرض.
ومنها : أن الغضب والرضاء والعفو والعقوبة ، لما كانت متقابلة ، استعاذ بأحدهما من الآخر ، فلما جاء إلى الذات المقدسة التي لا ضدّ لها ولا مقابل ، قال : وأعوذ بك منك ، فاستعاذ بصفة الرضى من صفة الغضب ، وبفعل العفو من فعل العقوبة ، وبالموصوف بهذه الصفات والأفعال منه ، وهذا يتضمن كمال الإثبات للقدر والتوحيد بأوجز لفظ وأخصره ، فإن الذي يستعيذ به من