منك إلا إليك» (١) فهو الذي ينجي من نفسه بنفسه ، ويعيذ من نفسه بنفسه. وكذلك الفرار ، يفر عبده منه إليه.
وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر ، وأنه لا ربّ غيره ، ولا خالق سواه ، ولا يملك المخلوق لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، بل الأمر كله لله ، ليس لأحد سواه منه شيء ، كما قال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحسنهم إليه : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ (١٢٨)) [آل عمران] وقال جوابا لمن قال : هل لنا من الأمر شيء؟ (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (١٥٤)) [آل عمران] فالملك كلّه له ، والأمر كله له ، والحمد كله له ، والشفاعة كلها له ، والخير كله في يديه. وهذا تحقيق تفرّده بالربوبية والألوهية ، فلا إله غيره ، ولا ربّ سواه : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)) [الزمر] (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)) [الأنعام] (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)) [فاطر].
فاستعذ به منه ، وفرّ منه إليه ، واجعل لجأك منه إليه ، فالأمر كله له ، لا يملك أحد معه منه شيئا ، فلا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يذهب بالسيئات إلا هو ، ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه ، ولا يضرّ سمّ ولا سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه ومشيئته ، ويصيب بذلك من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء ، فأعرف الخلق به وأقواهم بتوحيده من قال في دعائه : وأعوذ بك منك. فليس للخلق معاذ سواه ولا مستعاذ منه إلا وهو ربه وخالقه ومليكه وتحت قهره وسلطانه.
__________________
(١) رواه البخاري (٢٤٧) ، ومسلم (٢٧١٠) عن البراء بن عازب.