الظالمين» (١).
فالتوحيد يدخل العبد على الله ، والاستغفار والتوبة يرفع المانع ، ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه ، فإذا وصل القلب إليه ، زال عنه همّه وغمّه وحزنه ، وإذا انقطع عنه ، حصرته الهموم والغموم والأحزان ، وأتته من كل طريق ، ودخلت عليه من كل باب ، فلذلك صدر هذا الدعاء المذهب للهم والغم والحزن ، بالاعتراف له بالعبودية حقا منه ، ومن آياته ، ثم أتبع ذلك باعترافه بأنه في قبضته وملكه ، وتحت تصرفه ، بكون ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، كما يقاد من أمسك بناصيته شديد القوى ، لا يستطيع إلا الانقياد له ، ثم أتبع ذلك بإقراره له ، بنفاذ حكمه فيه ، وجريانه عليه ، شاء أم أبى ، وإذا حكم فيه بحكم ، لم يستطع غيره رده أبدا ، وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه ، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف ، فكأنه قال : أنا عبد ضعيف مسكين ، يحكم فيه قويّ قاهر غالب ، وإذا حكم فيه بحكم ، مضى حكمه فيه ولا بد ، ثم أتبع ذلك باعترافه بأنّ كلّ حكم وكل قضية ينفذها فيه هذا الحاكم ، فهي عدل محض منه ، لا جور فيها ولا ظلم ، بوجه من الوجوه ، فقال : ماض في حكمك ، عدل في قضائك. وهذا يعمّ جميع أقضيته سبحانه في عبده قضاءه السابق فيه قبل إيجاده ، وقضاءه فيه المقارن لحياته ، وقضاءه فيه بعد مماته ، وقضاءه فيه يوم معاده ، ويتناول قضاءه فيه بالذنب وقضاءه فيه بالجزاء عليه ، ومن لم يثلج صدره لهذا ، ويكون له كالعلم الضروري ، لم يعرف ربه وكماله ونفسه وعينه ، ولا عدل في حكمه ، بل هو جهول ظلوم ، فلا علم ولا إنصاف.
وفي قوله : ماض فيّ حكمك ، عدل في قضاؤك ، ردّ على طائفتي القدرية
__________________
(١) صحيح. رواه الترمذي (٣٥٠٥) عن سعد بن أبي وقاص.