وقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة ، بل هو الذي تكلّم بها ، وسمّى بها نفسه ، ولهذا لم يقل : بكل اسم خلقته لنفسك ، ولو كانت مخلوقة ، لم يسأله بها ، فإنّ الله يقسم عليه بشيء من خلقه ، فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم ، وأيضا فإن أسماءه مشتقة من صفاته ، وصفاته قديمة به ، فأسماؤها غير مخلوقة.
فإن قيل : فالاسم عندكم هو المسمى أو غيره؟.
قيل : طالما غلط الناس في ذلك ، وجهلوا الصواب فيه ، فالاسم يراد به المسمى تارة ، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى ، فإذا قلت : قال الله كذا ، واستوى الله على عرشه ، وسمع الله ورأى وخلق ، فهذا المراد به المسمى نفسه ، وإذا قلت : الله اسم عربي ، والرحمن اسم عربي ، والرحمن من أسماء الله ، والرحمن وزنه فعلان ، والرحمن مشتق من الرحمة ، ونحو ذلك ، فالاسم هاهنا للمسمى ، ولا يقال غيره ، لما في لفظ الغير من الإجمال ، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى ، فحقّ ، وإن أريد أن الله سبحانه كان ، ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسما ، أو حتى سمّاه خلقه بأسماء من صنعهم ، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد ، فقوله في الحديث : سمّيت به نفسك ، ولم يقل : خلقته لنفسك ، ولا قال : سماك به خلقك ، دليل على أنه سبحانه تكلم بذلك الاسم ، وسمى به نفسه ، كما سمى نفسه في كتبه التي تكلم بها حقيقة بأسمائه.
وقوله : أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، دليل على أن أسماءه أكثر من تسعة وتسعين ، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده ، لا يعلمها غيره ، وعلى هذا فقوله : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها