الباب الثامن والعشرون
في أحكام الرضا بالقضاء ، واختلاف الناس في ذلك ،
وتحقيق القول فيه
هذا الباب من تمام الإيمان بالقضاء والقدر ، وقد تنازع الناس فيه ، هل هو واجب ، أو مستحب ، على قولين : وهما وجهان لأصحاب أحمد ، فمنهم من أوجبه ، واحتج على وجوبه بأنه من لوازم الرضا بالله ربا ، وذلك واجب ، واحتج بأثر إسرائيلي : [من لم يرض بقضائي ، ولم يصبر على بلائي ، فليتّخذ له ربا سواي] ومنهم من قال : هو مستحبّ ، غير واجب ، فإن الإيجاب يستلزم دليلا شرعيا ، ولا دليل يدل على الوجوب ، وهذا القول أرجح ، فإن الرضا من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات ، وقد غلط في هذا الأصل طائفتان أقبح غلط.
فقالت القدرية النفاة : الرضا بالقضاء طاعة وقربة ، والرضا بالمعاصي لا يجوز ، فليست بقضائه وقدره.
وقالت غلاة الجبرية الذين طووا بساط الأمر والنهي : المعاصي بقضاء الله وقدره ، والرضا بالقضاء قربة وطاعة ، فنحن نرضى بها ، ولا نسخطها.
واختلفت طرق أهل الإثبات في جواب الطائفتين.