المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس.
فإن قيل : فكيف يجتمع الرضاء بالقضاء بالمصائب مع شدة الكراهة والنفرة منها ، وكيف يكلف العبد أن يرضى بما هو مؤلم له ، وهو كاره له ، والألم يقتضي الكراهة والبغض المضاد للرضا واجتماع الضدين محال.
قيل : الشيء قد يكون محبوبا مرضيا من جهة ، ومكروها من جهة أخرى ، كشرب الدواء النافع الكريه ، فإنّ المريض يرضى به مع شدة كراهته له ، وكصوم اليوم الشديد الحر ، فإن الصائم يرضى به مع شدة كراهته له ، وكالجهاد للأعداء ، قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (٢١٦)) [البقرة].
فالمجاهد المخلص يعلم أنّ القتال خير له ، فرضي به وهو يكرهه لما فيه من التعرض لإتلاف النفس وألمها ومفارقة المحبوب ، ومتى قوي الرضا بالشيء وتمكن ، انقلبت كراهته محبة ، وإن لم يخل من الألم ، فالألم بالشيء لا ينافي الرضا به ، وكراهته من وجه لا ينافي محبته وإرادته والرضاء به من وجه آخر.
فإن قيل : فهذا في حكم رضا العبد بقضاء الرب ، فهل يرضى سبحانه ما قضي به من الكفر والفسوق والعصيان بوجه من الوجوه؟.
قيل : هذا الموضع أشكل من الذي قبله ، قال كثير من الأشعرية ، بل جمهورهم ومن اتبعهم : إن الرضا والمحبة والإرادة في حق الرب تعالى بمعنى واحد ، وإن كل ما شاءه وأراده ، فقد أحبه ورضيه ، ثم أوردوا على أنفسهم هذا السؤال ، وأجابوا بأنه لا يمتنع أن يقال : إنه يرضى بها ، ولكن لا على وجه التخصيص ، بل يقال : يرضى بكلّ ما خلقه وقضاه وقدره ، ولا نفرد من ذلك الأمور المذمومة ، كما يقال : هو ربّ كل شيء ، ولا يقال :