رب كذا وكذا للأشياء الحقيرة الخسيسة ، وهذا تصريح منهم بأنه راض بها في نفس الأمر ، وإنما امتنع الإطلاق أدبا واحتراما فقط ، فلما أورد عليهم قوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (٧)) [الزمر] أجابوا عنه بجوابين.
أحدهما : ممن لم يقع منه ، وأما من وقع منه ، فهو يرضاه ، إذ هو بمشيئته وإرادته.
والثاني : لا يرضاه لهم دينا ، أي : لا يشرّعه لهم ، ولا يأمرهم به ، ويرضاه منهم كونا ، وعلى قولهم ، فيكون معنى الآية : ولا يرضى لعباده الكفر ، حيث لم يوجد منهم ، فلو وجد منهم ، أحبّه ورضيه ، وهذا في البطلان والفساد كما تراه ، وقد أخبر سبحانه أنه لا يرضى ما وجد من ذلك ، وإن وقع بمشيئته كما قال تعالى : (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ (١٠٨)) [النساء] فهذا قول واقع بمشيئته وتقديره ، وقد أخبر سبحانه أنه لا يرضاه ، وكذلك قوله سبحانه : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥)) [البقرة].
فهو سبحانه لا يحبه كونا ولا دينا ، وإن وقع بتقديره ، كما لا يحبّ إبليس وجنوده وفرعون وحزبه ، وهو ربّهم وخالقهم ، فمن جعل المحبة والرضا بمعنى الإرادة والمشيئة ، لزمه أن يكون الله سبحانه محبا لإبليس وجنوده وفرعون وهامان وقارون وجميع الكفار وكفرهم والظلمة وفعلهم ، وهذا كما أنه خلاف القرآن والسنة والإجماع المعلوم بالضرورة ، فهو خلاف ما عليه فطر العالمين التي لم تغير بالتواطؤ والتواصي بالأقوال الباطلة ، وقد أخبر سبحانه أنه يمقت أفعالا كثيرة ، ويكرهها ويبغضها ويسخطها ، فقال : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)) [النساء] وقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ (٢٨)) [محمد] وقال : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣)) [الصف] وقال : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ (٤٦)) [التوبة] ومحال حمل هذه