فصل
والأمر الكوني كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) [يس] وقوله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)) [القمر] وقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧)) [النساء] وقوله : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)) [مريم] وقوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها (١٦)) [الإسراء] فهذا أمر تقديري كوني ، لا أمر ديني شرعي ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء. والمعنى : قضينا ذلك وقدرناه. وقالت الطائفة : بل هو أمر ديني ، والمعنى : أمرناهم بالطاعة ، فخالفونا وفسقوا ، والقول الأول أرجح لوجوه.
أحدها : أن الإضمار على خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه.
الثاني : أن ذلك يستلزم إضمارين أحدهما : أمرناهم بطاعتنا ، الثاني : فخالفونا أو عصونا ، ونحو ذلك.
الثالث : أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه ، كقولك : أمرته ففعل ، وأمرته فقام ، وأمرته فركب ، لا يفهم المخاطب غير هذا.
الرابع : أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور ، ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك ، بل هو سبب للنجاة والفوز ، فإن قيل : أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك ، قيل : هذا يبطل :