بالوجه الخامس : وهو أنّ هذا الأمر لا يختصّ بالمترفين ، بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتّباع رسله المترفين وغيرهم ، فلا يصحّ تخصيص الأمر بالطاعة بالمترفين. يوضحه :
الوجه السادس : أن الأمر لو كان بالطاعة ، لكان هو نفس إرسال رسله إليهم ، ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال : أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ، ففسقوا فيها. فإن الإرسال لو كان إلى المترفين ، لقال من عداهم : نحن لم يرسل إلينا.
السابع : أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم ، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم ، لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم ، قال تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)) [هود] فإذا أرسل الرسل ، فكذبوهم ، أراد إهلاكها ، فأمر رؤساءها ومترفيها أمرا كونيا قدريا ، لا شرعيا دينيا ، بالفسق في القرية ، فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم ، فحينئذ جاءها أمر الله ، وحقّ عليها قوله بالإهلاك. والمقصود ذكر الأمر الكوني والديني. ومن الديني قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (٩٠)) [النحل] وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (٥٨)) [النساء] وهو كثير.
فصل
وأما الإذن الكوني فكقوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ (١٠٢)) [البقرة] أي : بمشيئته وقدره ، وأما الديني ، فكقوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ (٥)) [الحشر] أي : بأمره ورضاه