الباب الموفي ثلاثين
في ذكر الفطرة الأولى ومعناها ، واختلاف الناس في
المراد بها وأنها لا تنافي القضاء والقدر بالشقاوة والضلال
قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)) [الروم].
وفي الصحيحين (١) من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصرانه ويمجّسانه كما ينتج البهيمة جمعاء ، هل تحسّون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها» ثم قرأ أبو هريرة : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ (٣٠)) [الروم].
وفي لفظ آخر : «ما من مولود إلا يولد على هذه الملة» (٢).
وقد اختلف في معنى هذه الفطرة والمراد بها ، فقال القاضي أبو يعلى : في معنى الفطرة هاهنا روايتان ، عن أحمد : إحداهما : الإقرار بمعرفة الله تعالى ، وهو العهد الذي أخذه الله عليهم في أصلاب آبائهم ، حتى مسح ظهر
__________________
(١) البخاري (١٣٥٨) ، ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) رواه مسلم (٢٦٥٨) (٢٣) عن أبي هريرة.