آدم ، فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذرّ ، وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربكم؟ قالوا : بلى. فليس أحد إلا وهو يقرّ بأنّ له صانعا ومدبرا ، وإن سماه بغير اسمه. قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ (٨٧)) [الزخرف] فكل مولود يولد على ذلك الإقرار الأول.
قال : وليس الفطرة هنا الإسلام ، لوجهين :
أحدهما : أنّ معنى الفطرة ابتداء الخلقة ، ومنه قوله تعالى : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٤)) [الأنعام] أي : مبتدئها ، وإذا كانت الفطرة هي الابتداء ، وجب أن تكون تلك هي التي وقعت لأول الخليقة ، وجرت في فطرة المعقول ، وهو استخراجهم ذرية ، لأن تلك حالة ابتدائهم ، ولأنها لو كانت الفطرة هنا الإسلام ، لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين أن لا يرثهما ولا يرثانه ما دام طفلا ، لأنه مسلم ، واختلاف الدين يمنع الإرث ، ولوجب أن لا يصح استرقاقه ، ولا يحكم بإسلامه بإسلام أبيه لأنه مسلم. قال : وهذا تأويل ابن قتيبة ، وذكره ابن بطة في «الإبانة». قال : وليس كلّ من تثبت له المعرفة حكم بإسلامه ، كالبالغين من الكفار ، فإنّ المعرفة حاصلة ، وليسوا بمسلمين. قال : وقد أومأ أحمد إلى هذا التأويل. وفي رواية الميموني فقال : الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها ، فقال له الميموني : الفطرة الدين. قال نعم. قال القاضي : وأراد أحمد بالدين المعرفة التي ذكرناها.
قال : والرواية الثانية : الفطرة هنا ابتداء خلقه في بطن أمه ، لأن حمله على العهد الذي أخذه عليهم ، وهو الإقرار بمعرفته ، حمل للفطرة على الإسلام ، لأنّ الإقرار بالمعرفة إقرار بالإيمان ، والمؤمن مسلم ، ولو كانت الفطرة الإسلام ، لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين أن لا يرثانه ولا يرثهما. قال : ولأن ذلك يمنع أن يكون الكفر خلقا لله ، وأصول أهل السنة بخلافه. قال : وقد أومأ أحمد إلى هذا ، في رواية علي بن سعيد ، وقد سأله عن قوله : «كل