مولود يولد على الفطرة» ، فقال : على الشقاوة والسعادة ، ولذلك نقل محمد بن يحيى الكحال أنه سأله ، فقال : هي التي فطر الناس عليها ، شقي أو سعيد. وكذلك نقل جبيل عنه ، قال : الفطرة التي فطر الله عليها العباد من الشقاوة والسعادة. قال : وهذا كله يدل من كلامه على أنّ المراد بالفطرة هاهنا ابتداء خلقه في بطن أمه.
قال شيخنا ابو العباس ابن تيمية : أحمد لم يذكر العهد الأول ، وإنما قال للفطرة الأولى التي فطر الناس عليها ، وهي الدين. وقال في غير موضع : إنّ الكافر إذا مات أبواه أو أحدهما ، حكم بإسلامه ، واستدل بهذا الحديث ، فدل على أنه فسر الحديث بأنه يولد على فطرة الإسلام ، كما جاء ذلك مصرحا به في الحديث ، ولو لم تكن الفطرة عنده الإسلام ، لما صح استدلاله بالحديث.
وقوله في موضع آخر : يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة ، لا ينافي ذلك ، فإن الله سبحانه قدّر السعادة والشقاوة ، وكتبهما ، وقدر أنها تكون بالأسباب التي تحصل بها ، كفعل الأبوين ، فتهويد الأبوين وتنصيرهما وتمجيسهما ، هو مما قدّره الله أنه يفعل بالمولود. والمولود ولد على الفطرة سليما ، وولد على أن هذه الفطرة السليمة يغيرها الأبوان كما قدر سبحانه ذلك وكتبه ، كما مثّل النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك بقوله : كما ينتج البهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء؟ فبين أن البهيمة تولد سليمة ، ثم يجدعها الناس ، وذلك بقضاء الله وقدره ، فكذلك المولود يولد على الفطرة سليما ، ثم يفسده أبواه. وذلك أيضا بقضاء الله وقدره ، وإنما قال أحمد وغيره من الأئمة : على ما فطر عليه من شقاوة أو سعادة ، لأنّ القدرية يحتجون بهذا الحديث على أنّ الكفر والمعاصي ليس بقضاء الله وقدره ، بل مما ابتدأ الناس إحداثه ، ولهذا قالوا لمالك بن أنس : إنّ القدرية يحتجون علينا بأول الحديث ، فقال :