ذلك على قريش أو على أهل مكة ، وقالوا : يشتم آلهتنا! فجاء ابن الزبعرى فقال : ما لكم؟ قالوا : يشتم آلهتنا! قال : وما قال؟ قالوا : قال (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨)) [الأنبياء] قال : ادعوه لي ، فلما دعي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : يا محمد! هذا شيء لآلهتنا خاصة ، أم لكل من عبد من دون الله؟ فقال : لا بل لكل من عبد من دون الله ، قال : فقال ابن الزبعرى : خصمت ورب هذه البنية ، يعني الكعبة ، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح ، وأن عزيرا عبد صالح ، وهذه بنو مليح تعبد الملائكة ، وهذه النصارى تعبد عيسى ، وهذه اليهود تعبد عزيرا ، قال : فضج أهل مكة ، فأنزل الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها (١٠٢)) [الأنبياء] قال ونزلت (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)) [الزخرف] قال : هو الضجيج.
وهذا الإيراد الذي أورده ابن الزبعرى لا يرد على الآية ، فإنه سبحانه قال : إنكم وما تعبدون من دون الله ، ولم يقل : ومن تعبدون ، وما لما لا يعقل ، فلا يدخل فيها الملائكة والمسيح وعزير ، وإنما ذلك للأحجار ونحوها التي لا تعقل. وأيضا فإن السورة مكية ، والخطاب فيها لعبّاد الأصنام ، فإنه قال : إنكم وما تعبدون ، فلفظه «إنكم» ولفظه «ما» تبطل سؤاله وهو رجل فصيح من العرب ، لا يخفى عليه ذلك ، ولكن إيراده إنما كان من جهة القياس والمعلوم المعنوي الذي يعم الحكم فيه بعموم علته ، أي إن كان كونه معبودا ، يوجب أن يكون حصب جهنم ، فهذا المعنى يعنيه موجود في الملائكة وعزير والمسيح ، فأجيب بالفارق وذلك من وجوه.
أحدها : أن الملائكة والمسيح وعزيرا ممن سبقت لهم من الله الحسنى ، فهم سعداء ، لم يفعلوا ما يستوجبون به النار ، فلا يعذبون بعبادة غيرهم مع