بغضهم ومعاداتهم لهم ، فالتسوية بينهم وبين الأصنام أقبح من التسوية بين البيع والربا والميتة والمذكى ، وهذا شأن أهل الباطل ، وإنما يسوون بين ما فرق الشرع والعقل والفطرة بينه ، ويفرقون بين ما سوّى الله ورسوله بينه.
الفرق الثاني : أن الأوثان حجارة غير مكلّفة ولا ناطقة ، فإذا حصبت بها جهنم إهانة لها ولعابديها ، لم يكن في ذلك من لا يستحق العذاب بخلاف الملائكة والمسيح وعزير ، فإنهم أحياء ناطقون ، فلو حصبت بهم النار كان ذلك إيلاما وتعذيبا لهم.
الثالث : أنّ من عبد هؤلاء بزعمه ، فإنه لم يعبدهم في الحقيقة ، فإنهم لم يدعوا إلى عبادتهم ، وإنما عبد المشركون الشياطين ، وتوهموا أن العبادة لهؤلاء ؛ فإنهم عبدوا ـ بزعمهم ـ من ادعى أنه معبود مع الله ، وأنه معه إله ، وقد برّأ الله سبحانه ملائكته والمسيح وعزيرا من ذلك ، وإنما ادعى ذلك الشياطين ، وهم بزعمهم يعتقدون أنهم يرضون بأن يكونوا معبودين مع الله ، ولا يرضى بذلك إلا الشياطين ، ولهذا قال سبحانه (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)) [سبأ] وقال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ (٦٠)) [يس] وقال تعالى (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)) [الأنبياء].
فما عبد غير الله إلا الشيطان ، وهذه الأجوبة منتزعة من قوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى (١٠١)) [الأنبياء] فتأمل الآية ، فتجدها تلوح في صفحات ألفاظها ، وبالله التوفيق.