اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا (٧٨)) [الحج] أي : الله سمّاكم من قبل القرآن وفي القرآن ، فسبقت تسمية الحق سبحانه لهم مسلمين قبل إسلامهم وقبل وجودهم ، وقال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)) [الصافات].
وقال ابن عباس في رواية الوالبي عنه في قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (٢)) [يونس] قال : سبقت لهم السعادة في الذّكر الأول ، وهذا لا يخالف قول من قال : إنه الأعمال الصالحة التي قدموها ، ولا قول من قال : إنه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، فإنه سبق لهم من الله في الذكر الأول السعادة بأعمالهم على يد محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهو خير تقدم لهم من الله ، ثم قدمه لهم على يد رسوله ، ثم يقدمهم عليه يوم لقائه ، وقد قال تعالى (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)) [الأنفال].
وقد اختلف السلف في هذا الكتاب السابق ، فقال جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم : لو لا قضاء من الله سبق لكم يا أهل بدر ، في اللوح المحفوظ ، أنّ الغنائم حلال لكم ، لعاقبكم.
وقال آخرون : لو لا كتاب من الله سبق ، أنه لا يعذب أحدا إلا بعد الحجة ، لعاقبكم.
وقال آخرون : لو لا كتاب من الله سبق لأهل بدر ، أنه مغفور لهم ، وإن عملوا ما شاءوا لعاقبكم.
وقال آخرون ، وهو الصواب : لو لا كتاب من الله سبق ، بهذا كله ، لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم. والله أعلم.