واختلافها ، وصنّف فيه المصنفون الكتب على تنوّع أصنافها. فلا أحد إلا وهو يحدّث نفسه بهذا الشأن ، ويطلب الوصول فيه إلى حقيقة العرفان ، فتراه إما مترددا فيه مع نفسه ، أو مناظرا لبني جنسه ، وكلّ قد اختار لنفسه قولا لا يعتقد الصواب في سواه ، ولا يرتضي إلا إيّاه ، وكلهم إلّا من تمسّك بالوحي عن طريق الصواب مردود ، وباب الهدى في وجهه مسدود ، تحسّى علما غير طائل ، وارتوى من ماء آجن ، قد طاف على أبواب الأفكار ، ففاز بأخسّ الآراء والمطالب ، فرح بما عنده من العلم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، وقدّم آراء من أحسن به الظن على الوحي المنزل المشروع ، والنص المرفوع ، حيران يأتمّ بكلّ حيران ، يحسب كلّ شراب ماء فهو طول عمره ظمآن. ينادى إلى الصواب من مكان بعيد ، أقبل إلى الهدى فلا يستجيب إلى يوم الوعيد ، قد فرح بما عنده من الضلال ، وقنع بأنواع الباطل وأصناف المحال ، منعه الكفر الذي اعتقده هدى ، وما هو ببالغه ، عن الهداة المهتدين ، ولسان حاله أو قاله يقول أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين.
فصل
ولما كان الكلام في هذا الباب نفيا وإثباتا موقوفا على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وأمره ، وأسعد الناس بالصواب فيه من تلقّى ذلك من مشكاة الوحي المبين ورغب بعقله وفطرته وإيمانه عن آراء المتهوّكين (١)
__________________
(١) المتهوكين : المتحيّرين.