وليس ذلك إلا للمؤمن» (١) فالقضاء كلة خير لمن أعطي الشكر والصبر جالبا ما جلب. وكذلك ما فعله بآدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله تعالى عليهم وسلم ، من الأمور التي هي في الظاهر محن وابتلاء ، وهي في الباطن طرق خفية ، أدخلهم بها إلى غاية كمالهم وسعادتهم.
فتأمل قصة موسى وما لطف له من إخراجه في وقت ذبح فرعون للأطفال ، ووحيه إلى أمه أن تلقيه في اليمّ ، وسوقه بلطفه إلى دار عدوه الذي قدّر هلاكه على يديه ، وهو يذبح الأطفال في طلبه ، فرماه في بيته وحجره ، على فراشه ، ثم قدر له سببا أخرجه من مصر ، وأوصله به إلى موضع ، لا حكم لفرعون عليه ، ثم قدّر له سببا أوصله به إلى النكاح والغنى بعد العزوبة والعيلة ، ثم ساقه إلى بلد عدوه ، فأقام عليه به حجته ، ثم أخرجه وقومه في صورة الهاربين الفارين منه ، وكان ذلك عين نصرتهم على أعدائهم وإهلاكهم وهم ينظرون.
وهذا كله مما يبين أنه سبحانه يفعل ما يفعله ، لما يريده من العواقب الحميدة والحكم العظيمة التي لا تدركها عقول الخلق ، مع ما في ضمنها من الرحمة التامة والنعمة السابغة والتعريف إلى عباده بأسمائه وصفاته ، فكم في أكل آدم ، من الشجرة التي نهي عنها ، وإخراجه بسببها من الجنة ، من حكمة بالغة ، لا تهتدي العقول إلى تفاصيلها ، وكذلك ما قدّره لسيد ولده من الأمور التي أوصله بها إلى أشرف غاياته وأوصله بالطرق الخفية فيها إلى أحمد العواقب ، وكذلك فعله بعباده وأوليائه ، يوصل إليهم نعمه ، ويسوقهم إلى كمالهم وسعادتهم في الطرق الخفية التي لا يهتدون إلى معرفتها إلا إذا لاحت لهم عواقبها.
__________________
(١) رواه مسلم (٢٩٩٩) عن صهيب.