ويتحصّل ممّا تقدّم :
أوّلا : إنّ النصوص الواردة في الدليل الأوّل ، تدلّ علىٰ حرمة اتّخاذ العقل مصدراً مستقلّاً للتشريع .
ثانياً : إنّ نصوص الدليل الثاني توضّح علّة هذا التحريم ، وأنّها عدم قدرة العقل علىٰ إدراك ملاكات الأحكام من المصالح والمفاسد ، بل إنّ تكليف الإنسان بمعرفة الأحكام غير معقول ؛ لأنّه تكليف بغير المقدور .
ثالثاً : إنّ نصوص الدليل الثالث تثبت عدم الحاجة أصلاً إلىٰ العقل بوصفه مصدراً مستقلّاً للأحكام في طولِ الكتاب والسُنّة ؛ لأنّها تنصّ علىٰ وفاء الشريعة بأحكام جميع الوقائع ، وتنقض الأساس الذي استند إليه أصحاب القول الأوّل ، من عدمِ توفّر البيان الشرعي لأحكام بعض الوقائع .
وقد كان أصحاب القول بالرأي علىٰ وعي بأنّ الذهنية الإسلامية لا تستسيغ تدخّل الإنسان في التشريع ، ولا ترتضي تحكيم العقل في قبال النصوص الشرعية ، ولأجل ذلك حاولوا إقناع هذه الذهنية بأنّ هناك أحكاماً لم توضّحها النصوص ، الأمر الذي يضطرّنا إلىٰ الاستعانة باجتهاد الرأي لسدِّ الفراغ الحاصل في أدلّة الأحكام .
وقد كان عمر بن الخطّاب هو رائد اتّجاه تحكيم الرأي في مجال التشريع ، الأمر الذي تفطّن له وأقرّ به كثير من الباحثين ، ومنهم :
١ ـ الدكتور محمّد رواس قلعهچي
؛ فقد قال في مقدّمة كتابه من موسوعة فقه السلف ـ إبراهيم النخعي : « إنّ الأُستاذ لمدرسة الرأي هو عمر ابن الخطّاب ؛ لأنّه واجه من الأُمور المحتاجة إلىٰ التشريع ما لم يواجهه