وفي المقابل ذَهَبَ فريقٌ آخر إلى اختيار نظرية مخالفة ، وقالوا إنّ الإنسانَ كائن متروكٌ لحاله ، مفوّضٌ إليه ، وأنّ أفعاله لا تستند إلى الله مطلقاً.
إنّ كلا الفريقين تصوّرا ـ في الحقيقة ـ أنّ الفِعل إمّا أنّه يجب أن يستند إلى الإنسان ، أو يستند إلى الله ، أي إمّا أن تكون القدرة البشرية لوحدها هي المؤثرة ، وإمّا أن تكون القدرةُ الإلهيّة هي المؤثّرةُ ، ليس إلّا.
في حين هناك طريق ثالث أرشدنا إليه الأئمة المعصومون.
يقول الإمامُ جعفر الصادق عليهالسلام : «لا جَبْرَ ولا تفويضَ ، ولكن أمرٌ بَين الأمرين» (١).
يعني أنّ فعل الإنسان في حال كونه مستنداً إلى العبد ، مستند إلى الله أيضاً ، لأنّ الفعلَ صادرٌ مِن الفاعل ، وفي نفس الوقت يكون الفاعلُ وقدرتهُ مخلوقين لله ، فكيف يمكن أن ينقطع عن الله تعالى؟
إنّ طريقة أهل البيت عليهمالسلام في بيان حقيقة الفعل البشريّ تتطابق تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم.
فإنّ هذا الكتاب السماوي ربّما نَسَب فِعلاً ـ مع نِسبَتِه وإسناده إلى فاعله إلى الله تعالى أيضاً ، يعني أنه يقبل كِلا الإسنادين وكلتا النِّسبتين ، إذ يقول : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٢).
والمراد هو أنّ النبيَّ الأكرمَ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما قام بفعل لم يفعَلْه بنفسه ، بل فَعَله بالقُدرةِ الإلهيّة ، وعلى هذا الأساس تصحّ كلتا النسبتين.
__________________
(١). التوحيد للصدوق : الباب ٥٩ الحديث ٨.
(٢). الانفال / ١٧.