الاستدلال بالإجماع ببيان آخر
ثمّ إنّ الرازي استدلّ بإجماع يعتمد على مقدّمات ثلاث :
المقدّمة الأُولى : إنّ بعض الصحابة ذهب إلى العمل بالقياس والقول به.
المقدّمة الثانية : إنّه لم يوجد من أحدهم إنكار أصل القياس ، فلأنّ القياس أصل عظيم في الشرع نفياً أو إثباتاً ، فلو أنكر بعضهم لكان ذلك الإنكار أولى بالنقل من اختلافهم ، ولو نقل لاشتهر ، ولوصل إلينا ، فلمّا لم يصل إلينا علمنا أنّه لم يوجد.
المقدّمة الثالثة : إنّه لمّا قال بالقياس بعضهم ولم ينكره أحد منهم فقد انعقد الإجماع على صحّته. (١)
يلاحظ عليه : أنّ كلاً من المقدمات الثلاث قابل للنقاش والرد.
أمّا الأُولى : فلنفترض أنّ بعض الصحابة عمل بالقياس على وجه الإجمال ولكن لم يُشخّص تفاصيله ، وانّهم هل عملوا بمنصوص العلّة أو بمستنبطها؟ وعلى فرض العمل بالثاني فلم يعلم ما هو مسلكهم في تعيين علّة الحكم ومناطه ، فهل كان بالسبر والتقسيم أو من طريق آخر؟ ومع هذا الإجمال كيف يمكن أن يتّخذ عمل الصحابة دليلاً على حجّية القياس في عامة الموارد وعامة المسالك إلى تعيين علّة الحكم ومناطه.
وأمّا الثانية : فلأنّ تسمية عمل البعض مع سكوت الآخرين إجماعاً غير صحيح جدّاً ، لأنّ الإجماع عند الأُصوليين عبارة عن اتّفاق علماء عصر واحد على حكم شرعي. (٢)
__________________
(١) (المحصول : ٢٦٢ / ٢ ٢٦٩. وقد صرح في ص ٢٩٢ : أنّ مذهب أهل البيت إنكار القياس.)
(٢) المستصفى : ١١٠ / ١.