دليل آخر : ومما يدل أيضاً على ذلك أن الله تعالى قد أمر العباد بأفعال كثيرة ، كالايمان والطاعة من الصلاة والصوم وسائر العبادات ، فلو لا أن هذه الافعال لهم وواقعة من جهتهم وليست بأفعال الله تعالى ، لما جاز أن یؤمرا بها.
ألا ترى أنه لا يحسن أن يأمره بطوله وقصره ولا اسوداده ولا بياضه ، لما لم يكن ذلك أيضاً فعلاله. والقول في دلالة النهي كالقول في دلالة الأمر ، لان الله تعالى قد نهاهم عن المعاصي والكفر وضروب القبائح ، ولا يجوز أن ينهاهم عن فعله تعالى وعما ليس بفعل لهم.
دليل آخر : ويدل أيضاً على ذلك ، أنا وجدنا العباد يحمدون ببعض الأفعال التي يظهر منهم ، ويذمون ببعض آخر. ألا ترى أنهم يمدحون بفعل الطاعات وأداء الواجبات ، يمدحون على الإحسان والانعام والإفضال ، ويذمون بالمعاصي والقبائح.
فلو لا لا أن ذلك من أفعالهم لما توجه إليهم مدح ولا ذم ، كما لا يحسن ان يمدحوا ويذموا بألوانهم وهيئاتهم وخلقهم ، ولا على ما يقع من غيرهم من الافعال.
دليل آخر : ويدل على بطلان قول المجبرة في إضافتهم جميع الأفعال الى الله تعالى ، أن أفعال العباد ما هو كفر وظلم وقبيح وكذب ، فلو كان الله تعالى هو الفاعل لذلك ، لوجب أن يكون من حيث فعل الظلم ظالماً ، وبفعل الكفر كاذباً (١) ، وبفعل القبيح مقبحاً. لأن اللغة تقتضي هذا الاشتقاق للفاعل.
ألا ترى أنه تعالى من حيث فعل العدل يسمى عادلا ، وبفعل الإحسان والانعام يستحق محسناً أو منعماً. ولا وجه لتسميته بأنه منعم وعادل الا أنه فعل هذه الافعال
__________________
(١) ظ : كافراً.