فلا خلاف بيننا وبين المعتزلة في أن الله تعالى كان قادراً على أن يقول بدلا من هذا اللفظ الذي دخلت فيه الشبهة على المخالفين في الرؤية ، لا يراه ذو الابصار بأبصارهم في الدنيا والآخرة ، حتى تزول شبهة من خالف في أن الإدراك غير الرؤية ، وأن نفي إدراك الابصار ليس ينفي إدراك البصر ، فان الكلام ليس بعام في الآخرة لما هو متناول للدنيا.
فإذا قيل لنا : كيف تعدل بين (١) اللفظ الصريح الى اللفظ المحتمل الذي علم دخول الشبهة معه؟.
لم يكن لنا جواب الأمثل ما أجبناه في خبر الغدير ، ولم يبق الا أن ندل على أن خبر الغدير يقتضي الاستخلاف في الإمامة من غير احتمال لسواها.
والذي يدل على ذلك أن النبي صلىاللهعليهوآله قرر (٢) مع أمته على فرض طاعته الذي أوجبها الله تعالى له بقول الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وانما أراد تعالى أنه أحق بتدبيرهم وتصريفهم ، وأن طاعته عليهم واجبة ، فقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه.
فأتى من لفظة «مولى» بلفظ يحتمل المعنى المتقدمة وان كان محتملا لغيرها ، لان لفظ «المولى» يحتمل الاولى ، وابن العم ، والحليف ، والناصر ، والجار ، وغير ذلك ، فقد نص جميع أهل اللغة على أن لفظة «مولى» محتملة للأولى العرب وما هو مسطور والحال في احتمال هذه اللفظة للمعنى الذي ذكرنا أشهر من أن يخفى على محصل.
ومن شأن الأدباء إذا عطفت جملة مفسرة بكلام يحتمل للمعنى الأول ولما يحتمل غيره أن لا يريدوا ما بالكلام الا المعنى الأول دون ما عداه.
__________________
(١) ظ : من.
(٢) ظ : قرن.