لان الحذف انما يحتاج اليه عند الضرورة بتعذر التأويل ، فأما مع إمكانه وتسبله (١) فلا وجه لذكر الحذف.
والمثال الذي مثلوا به غير صحيح ، لان قوله تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ما يرد(٢) والبرد ، ثم حذفه.
بل الوجه فيه أنه خاطب قوماً لا يمسهم الا الحر ، ولا مجال للبرد عليهم ، لان بلادهم يقتضي ذلك ، فنفى الأذى يعتادونه.
ويمكن أن يكون إرادته نفي الأمرين ، فدل على نفي أضعفهما ، كما ذكرناه قبل.
مسألة
فإن قيل : فما الوجه في قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وما الفائدة في هذا التكرار؟ ويغني أن يقول : إياك نعبد ونستعين.
الجواب :
قلنا : قد قيل في ذلك : ان الكناية لو تأخرت عن القائل فيها لتكررت ، فكذلك يجب إذا تقدمت. ألا ترى أنه لو قال : نعبدك ونستعينك ، لكان يجب من تكرار الكناية ما يجب مثله إذا تقدمت.
وهذا ليس بشيء ، لأنه يجوز أن يقول القائل : نعبدك ونستعين ، ويقول : أما زيد فاني أحبه وأكرم ، فلا تكرر الكناية ، فسقط هذا الوجه.
__________________
(١) ظ : وتسيره.
(٢) ظ : ما أراد.