ومن انفسد به واشتبه عليه أمره ، فمن قبل تقصيره أتي ؛ لأنّه لو شاء أن ينظر لعلم الفرق بين المعجز في الحقيقة وغيره ؛ فإنّ ما يجوّز العقل وقوعه ممّن يجوز أن يفعل القبيح ، لا يصحّ إلحاقه بالمعجزات.
ونحن ننقض هذا المعنى عند مناقضتنا لصاحب الكتاب الملقّب ب «المغني» ، فلذلك أخّرنا بسط الكلام فيه هاهنا.
طريقة أخرى
قد أجيب عنه ، بأن قيل :
إنّ المراعى في دلالة المعجز على النّبوّة خرق العادة ، وظهور ما لو لم يكن المدّعي صادقا لم يظهر. وقد علمنا أنّ في ظهور القرآن ـ على الوجه الّذي ظهر عليه ـ خرقا للعادة ، وأنّه لا فرق في كونه خارقا لها بين أن يكون من فعل الله تعالى ، أو من فعل بعض ملائكته. وإنّما دلّ إذا كان من فعله تعالى من الوجه الذي ذكرناه ـ وهو خرق العادة ـ فيجب أن يدلّ وإن كان من فعل الملك ؛ لاتّفاقهما في وجه الدّلالة. وبطل أن يكون التجويز الّذي ذكر قادحا في إعجازه (١).
وهذا في نهاية الضّعف ؛ لأنّ الفعل الّذي يكون معجزا ودالّا على صدق من ظهر عليه لا بدّ فيه من شرائط :
__________________
القبائح في دار التكليف غير واجب. وليس يجب إذا كان تعالى لا يستفسد أن يمنع من الاستفساد ، كما لا يجب إذا لم يفعل القبيح أن يمنع منه في دار التكليف».
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٨ : «قالوا : إنّه لا فرق في خرق العادة بالقرآن ودلالته على الإعجاز ، بين أن يكون من فعله تعالى ، أو من فعل بعض الملائكة ؛ لأنّه إنّما دلّ إذا كانت من فعله تعالى لخرق العادة ، لا لأنّه من فعل تعالى ، فيجب أن يدلّ وإن كان من فعل الملك ، للاشتراك في خرق العادة».