ولا ضرر أيضا على الجنّ في النّهي عن اتّباعهم ، واستماع غرورهم (١). ولو سلّم في ذلك ضررا ، لكان ما يعود على الجنّ ـ من الشّرف وشفاء الغيظ ، بإدخال الشّبهة علينا ، ونفوذ حيلتهم ومكيدتهم فينا ـ يزيد عليه ويوفي ، من حيث كان في طباعهم عداوة البشر والسّعي في الإضرار بهم. والضّرر اليسير قد يتحمّل في مثل ما ذكرناه ، وهذا كاف.
طريقة أخرى
وممّا ذكر في جوابه :
أنّ القرآن لو جاز أن يكون من فعل الجنّ وممّا يتمكّن من إلقائه إلينا وإظهاره على يد بعضنا لكانت العرب تواقف على ذلك النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتحتجّ به عليه ، وتقول له : ما أتيتنا به واحتججت علينا بالعجز عنه ليس يجب أن يكون من فعل ربّك على جهة التّصديق لك ؛ لأنّ الجنّ جائز أن يقدروا عليه ، فلا أمان لنا من أن يكون من فعلهم. وإنّما ألقوه إليك طلبا لإدخال الشّبهة علينا ، فلا نبوّة لك بذلك ، ولا فضيلة! (٢)
وليس يجوز أن يغفلوا عن الاحتجاج بمثل هذا ـ لو كان جائزا ـ مع علمنا بتغافلهم في رفع أمره صلىاللهعليهوآله إلى كلّ باطل ، وطرحهم أنفسهم كلّ مطرح.
والحازم العاقل لا يعدل عن أقوى الحجّتين وأوضح الطريقتين ، إلى الأضعف
__________________
(١) أي جهالاتهم.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٢ : «وممّا أجاب به القوم عن سؤال الجنّ : أنّ القرآن لو كان من فعل الجنّ لوقفت العرب النّبيّ صلىاللهعليهوآله على ذلك ، ولقالت له : ليس في عجزنا من مقابلتك دليل على نبوّتك ، لأنّه جائز أن يكون الجنّ ألقته إليك!».