واجتماع الخلق على التّصديق يدلّ أيضا على أمور فعلها ـ جلّ وعزّ ـ على خلاف العادة ، اقتضت بإجماع الدّواعي واتّفاقها.
وجميع هذه الوجوه نأمن فيها أن يكون الاختصاص بالتّصديق واقعا ممّن يجوز أن يصدّق كذّابا.
وليس كذلك الحال فيما يجري مجرى الكلام ، إذا اعتبرنا وجه دلالته على النّبوّة ؛ لأنّا إذا لم نعلمه مبتدأ في الحال ، ولم نعلم ـ إن كان غير مبتدأ ـ أنّ نقله إلى من ظهر عليه ـ إنّما كان بالله تعالى ، وبمن أمره الله تعالى بنقله ـ يجوز أن يكون انتقاله وظهوره إنّما كانا ممّن يجوز أن يصدّق الكذّاب ، فلم يكن إلّا من هذا الوجه ، وفارق ما تقدّم.
ولا فرق متى علم مبتدأ في الحال ـ بين أن يكون من فعل الله تعالى ، أو من فعل من ظهر عليه ـ بعد أن يكون غير معتاد ؛ لأنّه إن كان من فعله تعالى جرى مجرى إحياء الموتى في الدّلالة بغير واسطة. وإن كان من فعل من ظهر عليه جرى مجرى نقل الجبال وقلب المدن ـ إذا علمنا أنّ الله تعالى لم يتولّ فعلهما ـ في الدّلالة على أمور وقعت من فعله تعالى موقع التّصديق ، وهي العلوم التي يتمكّن معها من فعل مثل ذلك الكلام.
وليس المعوّل ـ في الطّعن على ما اعتمده في هذا الموضع ـ على أنّ القرآن إذا لم يعلم مبتدأ في الحال وجوّز أن يكون حادثا قبلها لم يدلّ على النّبوّة حسب ما سأل عنه نفسه. بل المعوّل على ما بيّناه من أنّه إذا لم يعلم حادثا ، ويجوز انتقاله ممّن يجوز منه فعل القبيح لم يكن [دالّا]. وإلّا فلو علمناه متقدّم الحدوث ، وأمنّا أن يكون انتقاله واختصاصه ممّن ظهر عليه من جهة من يجوز منه القبيح ، لكان دالّا.
ولعلّنا أن نفصّل فيما يأتي من الكتاب ـ بعون الله ـ الكلام في المعجز الواقع