قال صاحب الكتاب بعد كلام لم نحتج إلى ذكره (١) :
«فإن قال (٢) : أفلستم قد جعلتم هذا العلم شرطا ، من حيث قلتم : إنّه تعالى إذا لم يجز أن يمكّن من الاستفساد فلا بدّ من أن يعلم أنّ ذلك لم يظهر على غيره ، فقد عدتم إلى أنّ هذا العلم شرط في الاستدلال؟
ثمّ قال : قيل له : إنّا لا نجعل ذلك شرطا ، لكنّا نجعله دافعا للشّبهة ومزيلا لها إذا وردت على المكلّف ، كما قلنا إنّ إحياء الموتى يصحّ الاستدلال به [على النّبوّة ، ولم نجعل شرط الاستدلال به] (٣) العلم باستحالة الانتقال على الأعراض ، وإن كان من (٤) خطر بباله ، وصارت شبهة يمكنه إزالة ذلك بأن يعلم بالدليل الظّاهر أنّ الانتقال لا يجوز عليها ، فكذلك القول فيما قدّمناه.
وبعد ، فلو جعلنا ذلك شرطا لكنّا قد جعلنا الشّرط ما يصحّ وجوده للمكلّف عند النظر في النبوّات ؛ لأنّه قد علم أنّ القديم تعالى حكيم ، وأنّه يرسل الرّسول للمصالح ، وأنّه لا بدّ من أن يفرّق بين النبيّ والمتنبّي ، ويمنع ممّا يؤدّي إلى أن لا فرق بينهما ، فيعلم عند ذلك أنّ القرآن لا يظهر على من أخذه من غيره ، وجعله دلالة نبوّته ، مع كونه كذّابا.
وليس كذلك ما جعلته شرطا ؛ لأنّك أحلت على علم لا طريق لك إلى ثبوته من الوجه الّذي ادّعيته [فسلم ما قلناه ، وبطل ما ادّعيته] (٥).
على أنّه لا بدّ من القول بما ذكرناه على كلّ حال ، وإن لم نقل : إنّ ظهور القرآن على من هذا حاله يوجب التباس النّبيّ بالمتنبّي ، وذلك لأنّه [كما] (٦) يجب أن يمنع من إظهاره تعالى المعجزات على الصّالحين ، لما فيه من المفسدة ـ على ما بيّناه من قبل ـ فيجب أن نمنع من أن يمكّن أحدا من ادّعاء معجزة لنفسه ، على
__________________
(١) لاحظ كلام القاضي عبد الجبّار واستدلاله في المغني ١٦ / ١٨٣.
(٢) المغني ١٦ / ١٨٤ ـ ١٨٥.
(٣) من المغني.
(٤) في المغني : متى.
(٥) من المغني.
(٦) من المغني.