وأظهر ، وأنّ الإسلام لمّا عزّ وقوي وكثر أهله ، واتّسعت أقطاره ، لم يخل كلّ زمان من بلاد للكفر وأهله واسعة ، وممالك منيعة ، وسلطان ظاهر ، فكيف يسوّى بين نقل المعارضة ـ لو كان لها أصل ـ وبين نقل النصّ طي الخفاء والظهور ، وحالهما من التباين على ما وصفناه؟!
وكيف يصحّ أن يسوّي عاقل بين النّصّ والمعارضة ، ويلزم أحدهما على الآخر؟ وقد بيّنا أنّ العلم بأنّ القرآن لم يعارض معارضة ظهرت وانتشرت على الحدّ الّذي أوجبناه يجري مجرى العلم بأنّه لم يظهر في زمانه عليهالسلام من كبير الآيات والمعجزات ، وأنّه لم يعارضه جميع العرب ، وأنّه لا بلد مشاكل بغداد بينها وبين واسط ، إلى سائر ما عددناه.
ونحن نعلم أنّ أحدا من العقلاء المخالطين لأهل الأخبار لا يشكّ في شيء من هذه الأمور ، وحكم بعضها في حصول العلم بانتفائه حكم جميعها ، وإن أراد المخالف أن يجعل هذا العلم ضروريّا فليفعل ، فما مضايقة هاهنا في الفرق بين الضّرورة والاكتساب.
ومعلوم أنّ حكم النصّ فيما ذكرناه مفارق للمعارضة وما أشبهها ؛ فإنّ مخالفنا فيه لا يمكنه أن يدّعي أنّ العلم بانتفاء النصّ على أمير المؤمنين صلوات الله عليه كالعلم بانتفاء بلد بين واسط وبغداد على الصّفة الّتي ذكرناها ، أو كالعلم بانتفاء النصّ بالإمامة على سلمان أو على أبي هريرة. وهذا بيّن في الفرق بين الأمرين.
فإن قيل : فإنّ مخالفيكم في النصّ ربّما ادّعوا العلم بفقده ، على الحدّ الّذي ذكرتموه!
قلنا : لو كان العلم بفقد النّصّ على أمير المؤمنين صلوات الله عليه يجري مجرى العلم بفقد النصّ على أبي هريرة وانتفاء البلد الّذي ذكرناه ، لوجب أن لا يصحّ من الجمع العظيم من العقلاء الاعتقاد له والتّديّن به ، كما لا يصحّ منهم ذلك في أمثاله.