فأمّا الكلام على من أشار إلى أشياء بعينهما (١) ، وادّعى أنّها معارضة للقرآن :
فربّما تعلّقوا بكلام مسيلمة ، وربّما ذكروا ما فعله النّضر بن الحارث من القصص بأخبار الفرس.
وربّما تعلّقوا بما حكاه الله تعالى في كتابه عن أبي حذيفة بن المغيرة (٢) من قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٣) إلى آخر الحكاية عنه ، ويقولون : إنّ كلامه المحكيّ يساوي سورة قصيرة من القرآن!
وربّما عمدوا إلى بعض القرآن فغيّروا من خلاله وأثنائه ألفاظا ، وأبدلوها بغيرها ، وادّعوا أنّها معارضة ، كقولهم : «إنّا أعطيناك الجماهر ، فصلّ لربّك وبادر ، إنّ شانئك لكافر»! وجميع ما حكيناه ضعيف ، وأنّه لا تدخل على عاقل به شبهة.
أمّا ما ذكروه أوّلا من التعلّق بكلام مسيلمة فجميع العقلاء ـ فضلا عن الفصحاء ـ يعلمون بعد ما حكي من كلامه عن الفصاحة ، بل عن السّداد وصحّة المعاني ، وأنّه لا حظّ له من الفصاحة ولا نصيب من الاستقامة ، حتّى أنّهم ينسبون من يستحسن إظهار مثله عن نفسه إلى الغباء والجنون ، ويقيمونه مقام من يسخر منه ويهزأ به ؛ فكيف يسوّي عاقل بين ما جرى هذا المجرى وبين أفصح الكلام وأبلغه وأصحّه معاني وأكثره فوائد؟!
وقد كان غير مسيلمة من وجوه الفصحاء وأعيان الشّعراء ، على الكلام الفصيح أقدر ، وبه أبصر وأخبر ؛ فلو كانت معارضة القرآن ممكنة وغير ممنوعة (٤) لكان القوم إليها أسبق ، وبها أولى.
وأمّا ما ذكر [و] ه ثانيا : من فعل النّضر بن الحارث فتمويهه بما فعله غير خاف على أحد ؛ لأنّ التحدّي إنّما كان بأن يأتوا بمثله في فصاحته ونظمه ، لا في طريقة
__________________
(١) في الأصل : بعينه ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) هو الوليد بن المغيرة.
(٣) سورة الإسراء : ٩٠.
(٤) في الأصل : ممنوع ، والمناسب ما أثبتناه.