القصص والأخبار. وكيف يظنّ ذلك والاقتصار وقع في التحدّي على سورة من جملة الكتاب ، وليس كلّ سورة تتضمّن أخبار الأمم الماضية؟
ودعاؤه عليهالسلام أيضا لهم إلى أن يأتوا بعشر سور مفتريات يدلّ على أنّه لا اعتبار في التحدّي بما تضمّنه القرآن من أخبار الأمم ، وأنّه وقع بما لا فرق بين الافتراء والصّدق.
على أنّا لم نجد أحدا من القوم احتجّ بفعل النّضر وحاجّ بمعارضته ، ولا ذكره في شيء من الأحوال على اختلافها. ولم يكن هذا إلّا لعلمهم بتمويهه ، وأنّه لا حجّة فيما صنعه ولا شبهة. وقد كان أيضا نفر من فصحاء قريش وغير قريش ـ ممّن انتهت حاله إمّا إلى الانقياد والاستجابة والبصيرة ، أو إلى القتل وتلف النّفوس والأهل والمال ـ على مثل ما فعله أقدر ، فلو علموا فيه حجّة أو شبهة لبادروا إليه.
وأمّا ما ذكروه ثالثا : من الحكاية عن أبي حذيفة بن المغيرة فإنّما حكى الله تعالى معنى كلامه لفظه بعينه ، وعلى هذا الوجه حكى تعالى في القرآن كثيرا من أقوال الأمم الماضية ، وإن كنّا نعلم أنّ لغاتهم مخالفة للّغة العرب ، وهكذا يحكي العربيّ عن الأعجميّ ، والفصيح عن الألكن.
ولو كان ما تضمّنه القرآن حكاية لفظه بعينه على ترتيبه ونظامه ، لوجب أن يحتجّ به العرب ، ويتنبّهوا على حصول المعارضة ، بل تناقض القرآن ؛ لأنّه كان يتضمّن على هذه الدّعوى ، الشّهادة بأنّ معارضة سورة ممّن عارضة غير ممكنة ، والشّهادة بأنّها قد بانت ممّن وقعت الحكاية عنه. وما يدّعي أحد من القرآن مثل هذه المعارضة (١).
__________________
(١) في الأصل : المفاوضة ، والظاهر ما أثبتناه.