[الدليل على أنّ نظم القرآن ليس بمعجز]
والذي يدلّ على أنّ نظم القرآن ليس بمعجز بنفسه : أنّا نعلم أنّ كلّ قادر على الكلام العربيّ ، ومتمكن من تقديم بعضه على بعض وتأخير بعضه عن بعض ، لا يعجز أن يحتذي نظم سور القرآن بكلام لا فصاحة له ، بل لا فائدة فيه ولا معنى تحته ، فإنّ ذلك لا يضرّ ولا يخلّ بالمساواة في طريقة النّظم. وقد رأينا كثيرا من السّخفاء والمجّان (١) يعارضون ـ على طريق العبث والمجون ـ الشّعراء المتقدّمين والخطباء المجوّدين ، فيوردون مثل القصيدة والخطبة في الوزن والطريقة ، بكلام سخيف المعنى ركيك اللّفظ ، بل ربّما لم يكن له معنى مفهوم. وقد فعل ذلك أبو العنبس الصّيمريّ (٢) بالبحتريّ بين يدي المتوكّل (٣) ، فأجازه ووصله (٤). المساواة في النّظم حاصلة ، ولكنّها في إصابة المعنى وجزالة اللّفظ متعذّرة. وعلى هذا أكثر شعر الصّيمريّ (٥) ، وشعر أبي العبر (٦) ؛ فإنّ في أشعار هؤلاء
__________________
(١) الماجن : الهازل ، والجمع مجّان ومجنة.
(٢) هو محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الصّيمريّ ، أبو العنبس الكوفيّ ، ولي قضاء الصّيمرة فنسب إليها ، نديم المتوكّل والمعتمد العبّاسيّين. كان أديبا ظريفا ، وشاعرا هجّاء خبيث اللسان. وله مناظرة مع البحتريّ. توفّى سنة ٢٧٥ ه.
(٣) هو جعفر بن محمّد العبّاسيّ ، أبو الفضل ، الخليفة العبّاسيّ العاشر ، ولد ببغداد عام ٢٦١ ه ومات غيلة عام ٢٤٧ ه. كان فاسقا فاجرا يعادي أمير المؤمنين عليهالسلام وأهل بيته الطاهرين عليهمالسلام.
(٤) انظر ما وقع بينهما في معجم الأدباء ١٨ / ١٢ ـ ١٤.
(٥) في الأصل : الطرميّ ، والظاهر أنّه الصّيمريّ المتقدّم ذكره.
(٦) أبو العبر ، محمّد بن أحمد العباسيّ ، الهاشميّ ، القرشيّ ، البغداديّ (توفّي سنة ٢٥٠ ه) ، نديم شاعر ، أديب ، حافظ للأخبار ، كان يمدح الخلفاء ، من كتبه : جامع الحماقات وحاوي الرقاعات ، والمنادمة ، وأخلاق الخلفاء والأمراء. كان في أوّل أمره يسلك في شعره الجدّ ، ثمّ عدل الى الهزل والحماقة فنفق بذلك نفاقا كثيرا.