على من تعذّر عليه ليس بقادر ـ يرجع جميعه إلى دلالة الفعل ، غير أنّه دالّ عليه بواسطة ؛ لأنّ عدم العرض أو جواز عدمه ، لا يعلم إلّا بالفعل الّذي هو تحريك الشيء بعد تسكينه ، أو تسكينه بعد تحريكه. وكذلك تعذّر الفعل على زيد ، يدلّ على أنّه ليس بقادر ، من حيث علم بالفعل أنّ الفاعل من حيث صحّ منه يجب أن يكون قادرا ، فقد عادت أصول الأدلّة كلّها إلى الأفعال.
قيل له : هذا إذا صحّ لم يؤثّر في طريقتنا ؛ لأنّا نتمكّن من ردّ الدّلالة في الموضع الّذي ذكرناه أيضا ، إلى الفعل على هذا الوجه.
فنقول : إذا اتّفقت العلوم بالفصاحة عند القصد إلى المعارضة ، وقد كانت ـ لو لا النّبوّة ـ واقعة لا محالة على العادة فقد عادت دلالة ذلك إلى الفعل أيضا ؛ لأنّ فعل العلوم لو لم يكن واجبا بالعادة لما دلّ انتفاؤها على شيء ، فالمرجع إذا الفعل في الدّلالة ، كما خرج ذلك في تعذّر الفعل وغيره.
فإن قيل : خبّرونا عن التّحدّي بالإتيان بمثل القرآن ، ما المراد به؟ لأنّكم ليس تذهبون إلى أنّ العادة انخرقت بفصاحته كما نذهب ، فيكون المثل الملتمس ما أخرجه من أن يكون خارقا للعادة وألحقه بالعناد. ويتساوى فيه المماثل في الحقيقة والمقارب.
وهب أنّ طريقة النّظم قصدت أيضا بالتحدّي ـ على حسب ما اقتضته عاداتهم في تحدّي بعضهم بعضا ـ لا بدّ أن تكون الفصاحة مقصودة ، وهي الأصل في التحدّي.
والدّعاء إلى الإتيان بالمثل ـ إذا لم تصحّ طريقتنا ـ محتمل ، فقد يجوز على هذا أن يكونوا ظنّوا أنّهم دعوا إلى مماثلته في الفصاحة على الحقيقة لا مقاربته ، فتعذّر عليهم المعارضة لا للصّرفة بل لعلوّ منزلته في الفصاحة عليهم ، وتقدّم كلامه لكلامهم.