ولكنّ ابن طاووس ذكر في كتابه فرحة الغري أنّ : «عضد الدولة البويهي (فناخسرو) زار النجف الأشرف سنة ٣٧١ هـ ، وقام أثناء زيارته هذه بتوزيع المال على الفقهاء» (١). وهذا النصّ ـ فيما لو ثبت سنده ـ يدلّ على ظهور الحركة العلمية الشيعية قبل أقلّ من قرن من الزمان من المشهور عن زمن تأسيس الحوزة العلمية ، ويؤيّده أنّ اختيار الشيخ الطوسي للتوجّه نحو النجف لتنشيط الحوزة العلمية لم يكن قراراً منفرداً ، بل كانت له حيثيّاته الموضوعية والتاريخية التي شجّعته على التوجّه إلى تلك المدينة المشرّفة مباشرة دون غيرها من مدن الطائفة ، ولو أُضيف إلى ذلك الإلهام الذي يستمدّه الفقيه بمجاورته مرقد باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لازدادت قناعتنا بأنّ تلك المدينة العريقة كانت أهلاً لاحتضان علوم الشريعة بأرقى مستوياتها ، وما ميّز النجف في عصر الشيخ الطوسي عن غيره من العصور أنّ علمي الفقه والأُصول انتقلا إلى طراز متطوّر في عمرهما المديد.
موارد بناء علم الأُصول :
ولا شكّ أنّنا لا نستطيع استيعاب فكرة النظريات الأُصولية التي طرحها الشيخ الطوسي في حوزة النجف العلمية في منتصف القرن الخامس الهجري ما لم ندرس بإسهاب أربعة موارد أصولية مهمّة للغاية في بناء علم الأُصول وتطوّره لاحقاً على أيدي فقهائنا الأعلام ، وهي :
أ ـ تطبيق النظريات الأُصولية في الفقه.
__________________
(١) فرحة الغري : الباب الرابع عشر : فيما ورد عن جماعة أعيان من العلماء والفضلاء.