أحرف ، التي تقدّم توضيح بطلانها (١) ، أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ؛ وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة كان يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدّي إلى تكـفير بعضهم بعضـاً ، وقد مرّ ـ في ما تقدّم ـ بعض الروايات الدالّة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منع عن الاختلاف في القرآن (٢).
ولكنّ الأمر الذي انتُقد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف ، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسـلمين ، حتّى سـمّوه بحـرّاق المصاحف (٣).
النتيجـة :
وممّا ذكرناه : قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله ، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشـكّ في بطلانه وخرافته (٤).
__________________
(١) راجع : البيـان في تفسير القرآن : ١٧٨ ـ ١٩٣.
(٢) راجع : البيـان في تفسير القرآن : ١٧١ ـ ١٧٦.
(٣) انظر : تفسير القرطبي ١ / ٤٠ ، تاريخ المدينة ـ لابن شـبّة النميري ـ ٣ / ٩٩٥ ـ ٩٩٦.
(٤) ولمزيد التفصيل في حقيقة مسألة تحريف القرآن ، وما أُثير فيها من شـبهات وافتراءات ، والردود العلمية الواردة عليها ، العقلية منها والنقلية ، وما ورد فيها من روايات ، ودراسـتها سـنداً ودلالة ؛ يجدر مراجعة كـتاب «التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف» للسـيّد عليّ الحسـيني الميلاني ، حفظه الله ورعاه.