قال مفضّلو الملائكة : إنّ مدار الخلق ـ روحانياً كان أو جسمانياً ـ على الدنوّ من الله عزّ وجلّ والرفعة والعلوّ والزلفة والسموّ ، وقد وصف الله جلّت عظمته الملائكة من ذلك بما لم يصف به غيرهم ، ثمّ وصفهم بالطاعة التي عليها موضع الأمر والزجر والثواب والعقاب ، فقال جلّ وعزّ : (لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (١) ، ثمّ جعل محلّهم الملكوت الأعلى ، فبراهينهم على توحيده أكثر ، وأدلّتهم عليه أوفر ، وإذا كان ذلك كذلك كان حظّهم من الزلفة أجلّ ، ومن المعرفة بالصانع أفضل.
قالوا : ثمّ رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلّها من الجنس الذي فضّلتموه على من قال الله عزّ وجلّ في نعتهم لمّا نعتهم ووصفهم بالطاعة لمّا وصفهم : (لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
قالوا : كيف يجوز فضل جنس فيهم كلّ عيب ولهم كلّ ذنب على من لا عيب فيهم ولا ذنب منهم صغائر ولا كبائر؟
والجواب : إنّ مفضّلي الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم قالوا : إنّا لا نفضّل ها هنا الجنس على الجنس ، ولكنّا فضّلنا النوع على النوع من الجنس. كما أنّ الملائكة كلّهم ليسوا كإبليس وهاروت وماروت ؛ لم يكن البشر كلّهم كفرعون الفراعنة وكشياطين الإنس المرتكبين المحارم والمقدّمين على المآثم.
وأمّا قولكم في الزلفة والقربة : فإنّكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة ، فالله عزّ وجلّ أجلّ وممّا توهّمتموه أنزه ، وفي الأنبياء والحجج من
__________________
(١) سورة التحريم ٦٦ : ٦.