من كنسها لطلب المرعى.
ونقول : إن الذي ذكره الآمدي مما يحتمله البيت ، وأجود منه أن يكون قوله (والصبح أدرع) عبارة عن شيبه وخبرا عن بياض بعض شعره وسواد بعض ، وأراد أن النساء اللواتي يشبهن الظباء ينفرن مني إذا رأين شيب رأسي كما ينفرن من ذئب الرمل. ثم قال : ولئن كان الوحشي يجزع من رؤيتي فالإنسي منها من شيب رأسي أجزع.
وإن لم يكن المعنى على ما ذكرناه فلا معنى لقوله : إن الظباء التي هي البهائم تنفر منه كما تنفر من الذئب ، لأنه لا وجه لذلك ولا فائدة فيه ولا سبب ، فالكلام بالمعنى الذي ذكرناه أليق.
فإن قال من ينصر تأويل الآمدي : أي معنى لقوله (كأنما رأت بي سيد الرمل) لولا أنه أراد بالظباء البهائم دون النساء المشهبات بهن ، وكيف تنفر النساء من الذئب وإنما تنفر منه الظباء على الحقيقة.
قلنا : النساء تنفر من الذئب لا محالة كما تنفر منه الظباء اللواتي هن الغزلان ، وما يهابه الرجال وينفرون منه أجدر أن ينفر منه النساء الغرائر.
فإن قيل : كيف قال في البيت الثاني :
لئن جزع الوحشي منها لرؤيتي |
|
لإنسيها من شيب رأسي أجزع |
لولا أن الوحشية قد نفرت منه ووقع ذلك وخبر عنه في البيت الأول؟
قلنا : ليس يقتضي هذا الكلام الثاني أن يكون المراد بذكر الظباء في البيت الأول والظباء على الحقيقة ، لأن من المعلوم أن الظباء الوحشية وكل وحش ينفر من الإنس ، وهذا أمر ممهد معلوم لا يحتاج إلى وقوعه حتى يعلم ، فلما قال : إن النساء اللواتي يشبهن الظباء ينفرن من شيبي جاز أن يقول بعد ذلك ولئن كانت الظباء