يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك ، قال : فرجع أبو بكر ، فقال : يا إخوة ، لعلّكم غضبتم. قالوا : يغفر الله لك يا أبا بكر (١)!
وقد كان بين بلال وعمر اختلاف في وقت الأذان ، أدّى بهم من بعد أن يختلقوا صحة أذان ابن أم مكتوم الأعمى في الفجر ، مخطّئين أذان بلال لعدم تشخيصه الفجر الصادق ، لضعف في بصره!! (٢)
روى الأوزاعي أنّ بلالاً أتى عمر بن الخطّاب فقال : الصلاة الصلاة ، فردّدها عليه ، فقال له عمر : نحنُ أعلمُ بالوقت منك ، فقال له بلال : لاَنا أعلم بالوقت منك ، إذ أنت أضلّ من حمار أهلك (٣)!
وفي زحمة هذا التضادّ السياسي الفقهي بين بلال من جهة ، وأبي بكر وعمر وأتباعهما من جهة ، يبدو أنّهم طلبوا منه حذف «حيّ على خير العمل» وإبدالها بـ «الصلاة خير من النوم» ، فرفض بلال ذلك ، ولذلك رفضوا بلالاً ورفضهم ، ونسبوا إلى بلال ضعف البصر واللثَّغة في اللسان وغيرها من الأمور الجارحة ، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبي محذورة ، ووضعوا أحاديث نسبوها إلى بلال ، وكأنّه أذّن بـ «الصلاة خير من النوم» في زمان النبيّ ، مع أنّ الصحيح نسبته إلى بلال عكس ذلك ، فإنّه اذّن بـ «حيّ على خير العمل» لا الصلاة خير من النوم.
على أنّ بلالاً كان هو أقرب المشاهدين لما واجهوا به النبيَّ قبيل وفاته ، وكيف تخلفوا عن جيش أسامة ، وقدّموا أبا بكر للصّلاة.
كان بلال على علم بما يجري من حوله ، ولذلك اعتزل القوم ونجا بدينه وأذانه
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦١.
(٢) هذا ما تقف عليه في الباب الثاني من هذه الدراسة : «الصلاة خير من النوم» فراجع.
(٣) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.