وصاحب همذان ، والرّيّ ، قال : ثمّ دخلنا إلى خيمة أخرى وفي دهليزها ملوك ما وراء النّهر ، ثم دخلنا عليه وهو شابّ ، له شعرات ، قاعد على تخت ساذج ، وعليه قباء بخاريّ يساوي خمسة دراهم ، وعلى رأسه قطعة جلد تساوي درهما ، فسلّمت عليه فلم يردّ ، ولا أمرني بالجلوس ، فشرعت فخطبت خطبة بليغة ، ذكرت فيها فضل بني العبّاس ، ووصفت الخليفة بالزّهد والورع والتّقيّ والدّين ، والتّرجمان يعيد عليه قولي ، فلمّا فرغت قال للتّرجمان : قل له هذا الّذي تصفه ما هو في بغداد ، بل أنا أجيء وأقيم خليفة يكون بهذه الصّفة ، ثمّ ردّنا بغير جواب ، ونزل عليهم بهمذان الثّلج ، فهلكت خيلهم ، وركب الملك خوارزم شاه يوما فعثر به فرسه ، فتطيّر ، ووقع الفساد في عساكره ، وقلّت الميرة ، وكان معه سبعون ألفا من الخطا ، فردّه الله تعالى عن بغداد.
وقال أبو شامة (١) : ذكر محمد بن محمد النّسويّ في كتابه الّذي ذكر فيه وقائع التّتار مع علاء الدّين محمد ، ومع ولده جلال الدّين (٢) ، قال : حكى لي القاضي مجير الدّين عمر بن سعد الخوارزميّ ، أنّه أرسل إلى بغداد مرارا ، آخرها مطالبة الدّيوان بما كان لبني سلجوق من الحكم والملك ببغداد ، فأبوا ذلك ، وأصحب المذكور في عوده شهاب الدّين السّهرورديّ رسولا مدافعا. قال : وكان عند السّلطان من حسن الاعتقاد برفيع منزلته ما أوجب تخصيصه بمزيد الإكرام والاحترام تمييزا له عن سائر الرّسل الواردة عليه في الدّيوان ، فوقف قائما في صحن الدّار ، فلمّا استقرّ المجلس بالشّيخ ، قال : إنّ من سنّة الدّاعي للدّولة القاهرة أن يقدّم على أداء رسالته حديثا. فأذن له السّلطان ، وجلس على ركبتيه تأدّبا عند سماع الحديث ، فذكر الشّيخ حديثا معناه التّحذير من أذيّة آل العباس. فقال السّلطان : ما آذيت أحدا من آل العبّاس ولا قصدتهم بسوء وقد بلغني أنّ في محابس أمير المؤمنين خلقا منهم يتناسلون بها ، فلو أعاد الشيخ هذا الحديث على مسامع أمير المؤمنين كان أولى وأنفع. فعاد الشّيخ والوحشة قائمة ، ثمّ عزم على قصد بغداد ، وقسّم نواحيها إقطاعا
__________________
(١) في ذيل الروضتين ١٠١.
(٢) هو الكتاب المطبوع باسم «سيرة السلطان جلال الدّين منكبرتي».