قال أبو المظفّر (١) : كان المعظّم قد توجّه إلى أخيه الكامل إلى دمياط والكشف عنها ، وبلغه أنّ طائفة من الفرنج على عزم القدس ، فاتّفق هو والأمراء على تخريبه ، وقالوا : قد خلا الشّام من العساكر ، فلو أخذته الفرنج حكموا على الشّام. وكان بالقدس أخوه الملك العزيز وعزّ الدّين أيبك أستاذ دار ، فكتب المعظّم إليهما يأمرهما بخرابه ، فتوقّفا. وقالا : نحن نحفظه ، فأتاهما أمر مؤكّد بخرابه ، فشرعوا في الخراب في أوّل المحرّم ، ووقع في البلد ضجّة ، وخرج الرّجال والنّساء إلى الصّخرة ، فقطّعوا شعورهم ، ومزّقوا ثيابهم ، وخرجوا هاربين ، وتركوا أثقالهم ، وما شكّوا أنّ الفرنج تصبّحهم ، وامتلأت بهم الطّرقات ، فبعضهم قصد مصر ، وبعضهم إلى الكرك ، وبعضهم إلى دمشق ، وهلكت البنات من الحفاء ، ومات خلق من الجوع والعطش ، ونهب ما في البلد ، وبيع الشيء بعشر ثمنه ، حتى أبيع قنطار الزّيت بعشرة دراهم ، ورطل النّحاس بنصف درهم ، وعلى هذا النّمط ، وذمّ الشّعراء المعظّم ، وقالوا :
في رجب حلّل المحرّم (٢) |
|
وخرّب القدس في المحرّم |
وقال مجد الدّين محمد بن عبد الله قاضي الطّور :
مررت على القدس الشّريف مسلّما |
|
على ما تبقّى من ربوع كأنجم |
ففاضت دموع العين منّي صبابة |
|
على ما مضى في عصرنا المتقدّم |
وقد رام علج أن يعفّي رسومه |
|
وشمّر عن كفّي لئيم مذمّم |
فقلت له : شلّت يمينك خلّها |
|
لمعتبر أو سائل أو مسلّم |
فلو كان يفدى بالنّفوس فديته |
|
وهذا صحيح الظّنّ في كلّ مسلم (٣) |
__________________
= المطلوب ٢٠٢ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٦٠١ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ١٢٢ ، والعبر ٥ / ٩٥ ، ودول الإسلام ٢ / ١١٩ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١٣٧ ، ومرآة الجنان ٤ / ٣١ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٨٣ ، والإعلام والتبيين ٥٢ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ٢٠٤ ، وشفاء القلوب ٣٠٥ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٢٦٧.
(١) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٦٠١.
(٢) في المرآة ٦٠٢ «حلل الحميا» ، ومثله في : البداية والنهاية ١٣ / ٨٣.
(٣) الأبيات في : ذيل الروضتين ١١٦ وقد سقطت منه كلمة «صحيح» في الشطر الأخير.