وقتلوا ما لا يحصى ، واختفى خلق ، فكان التّتار يأخذون الأسرى ويقولون : نادوا في الدّروب : إنّ التّتار قد رحلوا. فإذا نادى أولئك خرج من اختفى فيقتلونه ، حتّى قيل إنّ رجلا من التّتار دخل دربا فيه ما يزيد على مائة رجل ، فما زال يقتل واحدا واحدا حتّى أفناهم ، ولا يمدّ أحد منهم يده إليه بسوء ، نعوذ بالله من الخذلان.
ثمّ رحلوا إلى نحو إربل فاجتمع بعض عسكر العراق وعسكر الموصل مع مظفّر الدّين ، فلمّا سمعوا باجتماع العساكر تقهقروا ظنّا منهم أنّ العسكر يتبعهم ، فلمّا لم يروا أحدا تبعهم أقاموا. وأقام العسكر عند دقوقا ، ثمّ عادوا إلى بلادهم إلى همذان وغيرها ، وجعلوا لهم بها شحنة ، وأرسلوا إليه يأمرونه ليطلب لهم من أهلها أموالا وقماشا ، ولم يكن خلّوا لهم شيئا ، فاجتمع العامّة عند الرئيس بهمذان ، ومعهم رجل فقيه قد قام في اجتماع الكلمة على الكفّار ، فقال لهم الرئيس العلويّ : كيف الحيلة ونحن نعجز عنهم؟ فما لنا إلّا مصانعتهم بالأموال. فقالوا له : أنت أشدّ علينا من الكفّار ، وأغلظوا له ، فقال : أنا واحد منكم فاصنعوا ما شئتم ، فوثبوا على الشّحنة فقتلوه ، وتحصّنوا ، فتقدّم التّتار وحاصروهم ، فخرج لحربهم العامّة ، والرئيس والفقيه في أوائلهم ، فقتلوا من التّتار خلقا ، وجرح الفقيه عدّة جراحات ، وافترقوا ، ثمّ خرجوا من الغد ، فاقتتلوا أشدّ قتال ، وقتل من التّتر أكثر من اليوم الأوّل. وأرادوا الخروج في اليوم الثّالث فعجز الفقيه عن الرّكوب من الجراحات ، وطلب النّاس الرئيس ، فإذا به قد هرب في سرب صنعه إلى ظاهر البلد هو وأهله إلى قلعة هناك ، فتحصّن بها. وبقي النّاس حيارى ، إلّا أنّهم اجتمعت كلمتهم على الجهاد إلى أن يموتوا. وكان التّتار قد عزموا على الرحيل لكثرة من قتل منهم ، فلمّا لم يروا أحدا خرج لقتالهم طمعوا ، واستدلّوا على ضعفهم ، فقصدوهم وقاتلوهم وذلك في رجب في سنة ثمان عشرة وستّمائة. ودخلوا البلد بالسّيف ، وقاتلهم النّاس في الدّروب ، وبطل السّلاح للزحمة ، واقتتلوا بالسّكاكين ، فقتل ما لا يحصى. ثمّ ألقي في همذان النّار فأحرقوها ، ورحلوا إلى تبريز وقد فارقها صاحبها أوزبك بن البهلوان ، وكان لا يزال منهمكا على الخمور ، يبقى الشّهر والشّهرين لا يظهر ، وإذا سمع هيعة طار ، وله جميع