فلا ينتهي العادّ إلى حدّ إلّا والحال توجب أضعافه ، ولا يقال : كم قتل من بلد كذا؟ وإنّما يقال : كم بقي؟!
واجتمعت بتاجر سروج كان يترجم لهم ، قال : اجتمع التّجّار من جميع البلاد إلى نيسابور يتحصّنون بها ، فنزل عليها التّتر فأخذوها في أربعة وعشرين يوما ، وأتوا على أهلها بالقتل ، وعليها بالإحراق والخراب حتّى غادروها كأن لم تغن بالأمس. وهربت منهم مرّات وأقع في الأسر. ثمّ هرب في المرّة الأخيرة وتعلّق بجبل ، فلمّا رحلوا طالبين هراة ، قال : نزلنا وكنّا سبعة ، فأحصينا القتلى خمسمائة ألف وخمسين ألفا ، ووجدنا الأموال ملقاة ، وجزنا ببلاد الملاحدة وهي على عمارتها لم يتشعّث منها شيء.
وحكى لنا تاجر آخر واسطيّ قال : إنّه اختفى بجبل وخرج بعد أيّام ، فرأى الأرض مسطوحة بالقتلى والأموال والمواشي ، وكنت أنا وعشرة سلمنا ، ولو كانت معنا عقولنا لأخذنا من الأموال ما يفوت الآمال ، وإنّما أخذنا حمل دقيق على جمل.
قال الموفّق : وممّا أهلكوه بلاد فرغانة وهي سبع ممالك ، مسيرة أربعة أشهر ، وكلّ من هرب منهم تحيّلوا في قتله بكل ممكن ، وإذا اجتمعوا في مجالس أنسهم ونزهة قلوبهم أحضروا قوما من الأسارى ، وأخذوا يمثّلون بواحد ، واحد ، بأن يقطعوا منه عضوا بعد عضو ، وكلّما اضطرب وصاح تضاحكوا وأعجبوا ، وربما حطّوا السّيف في جوفه أو ليّته قليلا ، ومتى التمس الشّخص رحمتهم ازدادوا قساوة. وإذا وقع لهم نساء فائقات في الحسن تمتّعوا بهنّ أياما ثمّ قتلوهنّ. وحكت لي امرأة بحلب أنّهم ذبحوا ولدها وشربوا الدّم ، ثمّ نام الذّابح فقامت فذبحته ، وهربت هي وزوجها.
وقد كان السّلطان خوارزم شاه محمد بن تكش سارقا هجّاما ، وكان عسكره أو شابا (١) ، ليس لهم ديوان ولا إقطاع ، وأكثرهم أتراك كفّار أو مسلمون جهّال ، لا
__________________
(١) الأوشاب : الأخلاط من الناس والأوباش.