رماة البندق؟ قال : نعم. فقبّل (١) المعظّم قدمه. ونام الأشرف ، فخرج المعظّم يصيح : الرحيل إلى دمياط ، وساق إلى دمشق ، وتبعته العساكر ، وانتبه الأشرف فدخل الحمّام ، فلم ير حول مخيّمه أحدا ، فأخبروه فسكت ، ثمّ سار فنزل القصير ، فأقام أيّاما ، ثمّ عرض العساكر هو وأخوه ، وجلسا في الطيّارة ، والنّاس يدعون لهما بالنّصر.
وأمّا فرنج دمياط فإنّهم خرجوا بالفارس والرّاجل ، وكان البحر زائدا جدّا ، فجاءوا إلى ترعة فأرسوا (٢) عليها ، وفتح المسلمون عليهم التّرع من كلّ مكان ، وأحدقت بهم عساكر الكامل ، فلم يبق لهم وصول إلى دمياط ، وجاء أصطول المسلمين فأخذوا مراكبهم ، ومنعوا عنهم الميرة من دمياط ، وكانوا خلقا عظيما ، وانقطعت أخبارهم عن دمياط ، وكان فيهم مائة كند (٣) ، وثمانمائة من الخيّالة ، وصاحب عكّا ، ومن الرّجّالة ما لا يحصى. فلمّا عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الكامل يطلبون الصّلح ويسلّمون إليه دمياط ، فأجابهم ، ولو طوّل روحه يومين لأخذ برقابهم. فبعث إليهم ولده نجم الدّين أيّوب وابن أخيه شمس الملوك ، وجاءت ملوكهم إلى الكامل فتلقّاهم وأنعم عليهم ، فوصل إليه المعظّم والأشرف بالجيوش في تلك الحال في رجب ، فعمل الكامل سماطا عظيما ، وأحضر ملوك الفرنج ، ووقف في خدمته الأخوان والأمراء ، وكان يوما مشهودا. وقام راجح الحلّيّ الشاعر فأنشد قطعة مليحة منها :
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا |
|
عقيرته في الخافقين ومنشدا |
أعبّاد عيسى ، إنّ عيسى وحزبه |
|
وموسى جميعا ينصران محمّدا (٤) |
وأشار إلى الإخوة الثّلاثة.
__________________
(١) تحرفت في المرأة إلى : «فقدّم» والتصحيح من : ذيل الروضتين.
(٢) تحرفت في المطبوع من المرأة إلى : «فأرسلوا» ، والمثبت من ذيل الروضتين.
(٣) الكند : هو الكونت. ويجمعها المؤرخون المسلمون آنذاك على : كنود. بمعنى الأمير.
(٤) البيتان مع أبيات أخرى في : مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٩٢١ ، وذيل الروضتين ١٣٠ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٩٥ ، والسلوك ٢١٠ ، ودول الإسلام ٢ / ١٢٣ ، والإعلام والتبيين ٥٤ ، وورد البيت الأخير فقط في : مفرّج الكروب ٣ / ١٠٥.